مقالات
في الآونة الأخيرة، تصاعد الصراع العسكري بين إسرائيل وحزب الله فجأة. في يومي 17 و18 سبتمبر الماضي، انفجرت أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها أعضاء حزب الله بعنف في جميع أنحاء البلاد في وقت واحد تقريبا، مما أسفر عن مقتل 37 شخصا على الأقل وإصابة آلاف آخرين في لبنان. وفي يوم 28 سبتمبر 2024، أعلنت إسرائيل أنها نجحت في قتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية دقيقة في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبعد نشر الإعلان بساعات، أصدر حزب الله بيانا أكد فيه هذا الحادث. فبعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع من التصعيد الحاد، وصل الصراع اللبناني الإسرائيلي إلى أخطر لحظاته.
وحتى يوم السبت الماضي الموافق 28 سبتمبر، قد تسبب الصراع بين حزب الله وإسرائيل في مقتل 1640 شخصا وإصابة 8408 أشخاص في لبنان منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، ومن بين القتلى 104 أطفال و194 امرأة، وذلك حسب بيانات رسمية صادرة عن لبنان. لا تزال هذه الأرقام قيد التحديث. وقد أدان المجتمع الدولي بشدة الغارات الجوية العنيفة والاغتيالات والأنشطة المستهدفة التي قامت بها إسرائيل منذ اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي استمر هذا الصراع في قطاع غزة في التفاقم، مع آثار غير مباشرة تؤثر على العديد من بلدان المنطقة.
وخلال هذه الجولة من الصراع، واصلت الولايات المتحدة، التي تقف خلف إسرائيل، تسليم الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، كما تعاونت الدولتان في عرقلة جهود الأمم المتحدة لتعزيز وقف إطلاق النار في غزة في مناسبات عديدة. وفي هذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يوشك أن يستمر لمدة عام كامل، تقوم الولايات المتحدة بـ”إعطاء السكاكين” بشكل مباشر وغير مباشر لإسرائيل وخلق كارثة إنسانية في الشرق الأوسط.
وبعد اندلاع الصراع في 7 أكتوبر من العام الماضي، لم يتمكن جيمس تايكليت، المدير التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن، الشركة العسكرية الأمريكية العملاقة، من إخفاء حماسته، حيث قال ذات مرة: “بعض الصراعات تتطلب أسلحة لحلها، وقد قمنا بإعداد هذه الأسلحة”.
وفي الحقيقة، فإن سجل الولايات المتحدة في انتهاك حقوق الإنسان في بلدان أخرى مليء بالأفعال والتجارب السيئة. لقد اتبعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة سياسات الهيمنة والأحادية وسياسة القوة، مما خلق أزمات إنسانية في جميع أنحاء العالم. فبعد حادثة “11 سبتمبر”، بلغ إجمالي عدد القتلى في المسارح التي شنت فيها الولايات المتحدة حربها الخارجية “ضد الإرهاب” (بما في ذلك العراق وأفغانستان وما إلى ذلك) ما لا يقل عن 4.5 مليون إلى 4.7 مليون شخص. وأطلقت الولايات المتحدة “برامج عملاء أجانب” في أكثر من 10 دولة، منتهكة بذلك سيادة الدول الأخرى وحقوق الإنسان لشعوبها. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات تعسفية أحادية الجانب لفترة طويلة، مما تسبب في عواقب إنسانية خطيرة.
هناك الكثير من الوقائع التي تثبت أن الولايات المتحدة قامت دائمًا بتفسير حجج حقوق الإنسان بشكل انتقائي لخدمة مصالحها السياسية. وينعكس هذا أيضا في الصراع الحالي في غزة. فبعد 7 أكتوبر من العام الماضي، وفي حين تأمل الولايات المتحدة في الحفاظ على صورتها باعتبارها “المدافع عن حقوق الإنسان” و”النموذج الأخلاقي”، فإنها تواصل تقديم الأسلحة والمعدات والذخائر إلى إسرائيل. وهذا هو أحد البراهين الحية العديدة على المعايير المزدوجة التي تتبعها الولايات المتحدة في قضية حقوق الإنسان. إن الفوضى الناجمة عن “حقوق الإنسان على النمط الأمريكي” مستمرة في الحدوث والانتشار، الأمر الذي يضر بنفسها وبالعالم أجمع.
في وجه الموضوع العصري المتمثل في الحفاظ على حقوق الإنسان، لا يجوز لأي دولة فرض إرادتها على الآخرين، أو التدخل التعسفي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بذريعة حقوق الإنسان. لا يجوز الاستمرار في تجاهل الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني. إن وقف شامل لإطلاق النار لا يحتمل أي تأخير، ويكمن المخرج الأساسي في “حل الدولتين”. يعد هذا هو إجماع المجتمع الدولي، وهو أيضا مخرج هام لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم بأسره.